تشهد منطقة الساحل الإفريقي توسعًا غير مسبوق في أنشطة الجماعات الجهادية، حيث ضاعفت هذه التنظيمات نطاق عملياتها الجغرافية لتتجاوز مساحة المليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل ضعف مساحة إسبانيا , ويكشف تحليل لوكالة فرانس برس
استنادًا إلى بيانات مشروع ACLED لرصد مواقع وأحداث النزاعات المسلحة، عن تسجيل قرابة 77 ألف قتيل منذ عام 2019، مع استمرار دوامة العنف حتى نوفمبر 2025 وسط حصار متصاعد وصراعات على النفوذ.
وفي هذا السياق، أكدت الأمم المتحدة في تقرير لها عام 2024 أنّ "إفريقيا أصبحت خلال سنوات قليلة فقط مركزًا عالميًا للإرهاب"، إذ تستغل جماعات مثل "داعش" و"القاعدة" وفروعهما هشاشة الأوضاع والنزاعات الداخلية لتحقيق أهدافها.
تمدّدت الفصائل المرتبطة بالقاعدة—وخاصة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"—إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية، لتشمل تقريبًا كامل مالي وبوركينا فاسو، وتغطّي مناطق من غرب النيجر ونيجيريا وصولًا إلى الحدود السنغالية. كما يبرز محور ثانٍ للعنف بالقرب من بحيرة تشاد شرق نيجيريا، حيث تحافظ “بوكو حرام” و”ولاية غرب إفريقيا التابعة لداعش” على معاقلها.
وبحسب مراجعة وكالة فرانس برس لست سنوات من بيانات ACLED، قفز عدد الهجمات من 1,900 هجوم عام 2019—معظمها على الحدود بين مالي وبوركينا فاسو—إلى أكثر من 5,500 هجوم عام 2024. وحتى 10 أكتوبر 2025، سُجِّل 3,800 حادث إضافي، ليصل إجمالي الهجمات خلال ست سنوات إلى 28,715 حادثًا.
وتُقدّر الأمم المتحدة عدد مقاتلي القاعدة وداعش مجتمعين بين 7,000 و9,000 عنصر، فيما يُقدّر تعداد "داعش-غرب إفريقيا" بين 8,000 و12,000 مقاتل.
تستغل هذه الجماعات الانقسامات الاجتماعية والعرقية العميقة في واحدة من أفقر المناطق عالميًا، معتمدة على مصادر تمويل متنوّعة مثل خطف الرهائن مقابل الفدية، وسرقة الماشية، وفرض “الضرائب الإسلامية”. ويشير الباحث آلي تونكارا، مدير مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجية في الساحل، إلى أن كثيرًا من المجندين ينضمون مقابل مبالغ مالية لمرة واحدة، أو للحصول على غنائم من الهجمات.

وتُظهر البيانات أن الجماعات التابعة للقاعدة وداعش مسؤولة عن نحو نصف الوفيات البالغ عددها 76,900 منذ عام 2019، بما في ذلك خسائرها الذاتية. كما قُتل نحو 16 ألف مدني في هجمات مباشرة.
وتُسجّل نيجيريا أكثر من 20 ألف قتيل، بينما تتحمّل مالي وبوركينا فاسو 56% من إجمالي الضحايا. وقد طردت الحكومات العسكرية في البلدين القوات الغربية، بما فيها القوات الفرنسية، خلال السنوات الأخيرة، لتتجه نحو عمليات مكافحة الإرهاب المحلية.
يرى تشارلي ويرب، محلّل لدى شركة Aldebaran Threat Consultants، أنّ اعتماد مالي وبوركينا فاسو على الحلول العسكرية وحدها أسفر عن نتائج “محدودة، بل وربما عكسية”. فغياب المعالجة الجذرية لمشكلات الفقر والحوكمة سمح للجماعات الجهادية بتوسيع نفوذها.
وتُظهر بيانات ACLED أنّ "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" تتبع استراتيجية لعزل العواصم عبر استهداف الطرق المحيطة بها. فمنذ 2019، تُحكِم الجماعة الطوق حول واغادوغو من شمال بوركينا فاسو، ما يهدد طرق الإمداد من ساحل العاج وتوغو ومالي كما سجّلت الجماعة 130 هجومًا على الطرق حول باماكو عام 2025، أي عشرة أضعاف ما سُجّل في 2021.
شهدت منطقة كايس في غرب مالي عددًا من الهجمات عام 2025 يفوق مجموع ما سُجّل في السنوات الخمس السابقة. وتُعد المنطقة ممرًا حيويًا لإمدادات الغذاء والوقود نحو مالي، لكون البلاد تفتقر إلى منفذ بحري مباشر.
وفي سبتمبر الماضي، استهدفت الجماعة قوافل الوقود القادمة من الغرب، مما تسبب في حصار دام شهرًا ونقص حاد في المحروقات، وفقًا للمكتب الوطني للمنتجات النفطية , واستمرت الأزمة حتى منتصف نوفمبر، ما دفع إلى إجلاء سكان مدن صحراوية عديدة، بينما حثّت فرنسا مواطنيها على مغادرة مالي.
وفي 1 يوليو، شنت الجماعة هجمات متزامنة على سبع بلدات غربية، بما في ذلك كايس وعُقد الطرق المؤدية إلى الدول المجاورة. كما تصاعدت عمليات خطف الأجانب- من بينهم صينيون وهنود- في الفترة بين مايو وأكتوبر، مما زاد الضغط على السلطات.
تستمر ولاية غرب إفريقيا التابعة لداعش وبوكو حرام في التنافس على السيطرة قرب بحيرة تشاد. وقد تسبب صراع داخلي بينهما في شمال شرق نيجيريا في مقتل نحو 200 شخص في نوفمبر، بينما شهدت ولاية بورنو أكثر من 250 قتيلًا في سبتمبر وحده نتيجة الكمائن والغارات، مع أكثر من 20 محاولة هجوم خلال 2025.
وامتد نشاط "نصرة الإسلام والمسلمين" حتى النيجر، حيث قُتل جندي في هجوم عبر الحدود، بحسب مصادر نيجيرية.
يحذر ويرب من أن الأزمة "لا تملك حلولًا سريعة أو بسيطة" , ويؤكد أن على القوى الإقليمية أن تدمج العمليات العسكرية مع إصلاحات حقيقية في الحكم، وتحسين الخدمات العامة، وتعزيز الحماية على خطوط الإمداد كما بات التعاون الإقليمي، خاصة مع دول مثل السنغال وموريتانيا، ضروريًا لمواجهة التمدد الجهادي.
