تؤكــد المصادر المستقاة من مختلف المراكز البحثية والمدارس المعنية بشؤون وقضايا المجتمع بأن الأمن هو حاجة أساسية ومطلب جوهري لا يمكن للحياة أن تستقر بفقدانه، باعتباره خياراً حيوياً

لا يوجد له بديل. والأمن من هذا المنطلق يرتبط بجملة من المعايير تجعل منه ضرورة ملحة لكل كائن حي، ناهيك عن الإنسان الذي استخلفه الله على الأرض ليكون ساعيا في إعمارها بما أودعه فيه من عقل جعله منفردا بالقدرة على إقامة العلاقات والحضارات الإنسانية .الأمن العام استحقاق مبدئي يسهم فى بناء التنمية المستدامة وفي ضمان تقديم الخدمات للمواطنين بما يحقق لهم المستوى المطلوب من العيش الكريم في وطنهم، وذلك على قاعدة الالتزام بالشفافية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ودعم مؤسسات المجتمع.. ومن أجل تجذير هذه الرؤية وتأكيد مفاهيمها، وحتى يكتسي الأمن طابعا علميا متّسما بالفعالية والإعتبار، فلابد له من الأخذ بجملة من التدابير والإجراءات التي تبدأ بوضع الخطط وتوفير الآليات المطلوبة للتنفيذ بحيث تخرج هذه الخطط إلى حيز الوجود فتصبح واقعا ملموسا، مع مراعاة توفير الموارد المالية المطلوبة والمستلزمات اللوجستية الحديثة الكفيلة بدعم الخطط والبرامج ذات الصلة وتنفيذها بنجاح. ويندرج التخطيط الأمني ضمن أهم مشمولات التحول من النظرية إلى التطبيق الذي يتسنى بموجبه وضع استراتيجيات ورسم السياسات بناء على رؤية واقعية قابلة للتطبيق، وعلى نحو يكفل إرساء قيم ومبادئ ثابتة تدفع باتجاه نظام أمني راسخ يأخذ على عاتقه جملة من المهام المتمثلة على وجه الخصوص في فرض سلطة القانون والحفاظ على هيبة الدولة وحماية الأرواح والأعراض والممتلكات وصيانة الحريات الشخصية وحقوق الانسان.. وذلك طبقا للمعايير والأعراف التى يقرها الدستور وبشراكة فاعلة من مؤسسات المجتمع المدني.

إنجاح المسألة الأمنية

وسعيا وراء الإرتقاء بمستوى الأداء فإنه من الضرورة انتهاج سياسات مرنة قائمة على التعاون والتنسيق والتشاور البنّاء والعمل بروح الفريق، بعيدا عن التجاذبات وتدعياتها المدمرة.. وفي هذا السياق يجب المراهنة على بناء القدرات للوصول إلى الكفاءة المتوخّاة، إضافة إلى الإستفادة التامة من الأنظمة الحديثة وتسخيرها بفعالية لصالح العملية الأمنية. 

إن الأهداف الإستراتيجية التي تتضمنها هذه الرؤية تنطلق من حتمية بسط الدولة لنفوذها وتولّي مؤسساتها المختصة التعامل مع المسألة الأمنية واحتواء أي فراغ أمني يهدد سلامة ومستقبل الوطن والأهالي. إن الطريق إلى هكذا أهداف يمر عبر جملة من التدابير منها على وجه الخصوص ضبط وتحصين الحدود والحفاظ على أمن المعلومات وأمن مرافق الدولة والمنشآت الوطنية المختلفة ومكافحة الجريمة.. وينبغي أن يتم تحقيق تلك المهام في ظل سيادة القانون وبمراعاة حقوق الإنسان وسائر الضمانات ذات الصلة بهذا المضمار.

 هذا وإن استيعاب هذا المنهج والعمل به يستوجب تعزيز القدرة الفكرية والإعلامية والثقافية وهي مسؤولية كافة مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية. وحتى يتسنى وضع الضوابط التى تسهم فى إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية فإن الأمر يتطلب تشكيل فرق عمل تكون رموزها وأعمدتها من الخبرات والكفاءات السابقة من ذوي السمعة الطيبة، وهم كثر ويترقبون الإستدعاء للإسهام في الدفع باتجاه الأهداف النبيلة. وتجدر الإشارة أنه من الأهمية إدخال تعديلات على القوانين واللوائح المنظمة للعمل الأمنى تمهيدا لوضع هيكلة ادارية جديدة للقطاع ومؤسساته التنفيذية مــــع الأخذ في الإعتبار وجوب تفعيــــل دور الإعــــلام العام والإعــــلام الأمنـــــي المتخصص وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة في الدولة ومع مؤسسات المجتمع المدنى .

إلى ذلك فإن هدف إعادة تنمية مهارات ورفع قدرات رجال المؤسسات الأمنية بشكل عام، هو أمر على درجة كبيرة من الأهمية، ويندرج ضمن المستهدفات الاسترتيجية لهذه الرؤية، على أن يتم تحديد الأولويات التدريبية وتصميم برامجها وفرز مراكزها ووضع آليات خطط العملية التدريبية، ومن ذلك إيفاد المتدربين للخارج، واستجلاب الخبراء للمشاركة في تنفيذ التدريبات الداخلية في المؤسسات التعليمية الوطنية المختصة، مع الأخذ في الإعتبار وجوب المثابرة على تفعيل كلية الدراسات العليا للعلوم الأمنية وكلية الشرطة وكلية الشرطة للبنات ومعاهد تدريب الشرطة.. ناهيك عن المؤسسات التعليمية العسكرية العليا والمتوسطة، لكي تستأنف كل هذه المؤسسات دورها المحوري وفقا للأهداف المتوخاة. وهنا تجدر إلى أهمية تشكيل لجان مختصة تتولى المتابعة والإشراف لضمان نتائج إيجابية في المضمار الآنف الذكر.

إن التوسع الأفقى والرأسي فى مجال التأهيل الأمني سيفضي تدريجيا إلى رفع مؤشر الكفاءة المهنية والخبرة لدى رجال القطاع، وهو ما سيُفضي إلى التحسين التدريجي لحالة الأمن في البلاد  إلى حين الوصول إلى المستوى المستهدف. وهناك قيمة مضافة على خلفية هذه الكفاءة وهي على جانب كبير من الأهمية وتتمثل في تحسين صورة رجل الأمن في نظر المجتمع، وهو ما يسهم بقسط وافر في بناء الثقة وتحقيق التعاون بين رجل الأمن والمواطن.

في خضم الظروف الإستثائية في بلادنا، وبعد كل التجاذبات والمفارقات التي رافقت هذا الوضع الراهن، تتبلور ملامح هذه الرؤية الإستراتيجية الواعدة للأمن الوطنى، كما نتصورها ويتصورها أهل الإختصاص، وهــي تشكل زخما يمكن الاستفادة منه فى إيجاد مقاربات وتفاهمات تعزز القدرة علـى إلانطلـاق نحـو تثبيت أمن وطنى يؤيـد المقــولة التـــى قيلت قديمــا بأن أرض ليبيــا تفيض بالخير وينام أهلها بلا عسس. 

تقييم المستخدم: 2 / 5

Star ActiveStar ActiveStar InactiveStar InactiveStar Inactive