قام تحالف دول الساحل (Alliance des États du Sahel – AES) بتفعيل القوة الموحدة التابعة له، في خطوة تمثل تحولًا كبيرًا نحو بناء منظومة دفاع إقليمي مستقلة. وخلال مراسم أُقيمت في قاعدة جوية بالعاصمة المالية باماكو، أشرف الجنرال أسيمي غويتا على

الإطلاق الرسمي لهذا الكيان العسكري متعدد الجنسيات.

ويعزز هذا التطور التعاون الأمني بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي ثلاث دول تُدار حاليًا من قبل إدارات عسكرية وتواجه تمردات إسلامية مستمرة. ويأتي إنشاء هذه القوة كأحدث مسعى من الدول الثلاث لدمج قدراتها الدفاعية، عقب انسحابها الجماعي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس).

وكانت فكرة هذه القوة قد طُرحت لأول مرة في يونيو 2024 من قبل رؤساء أركان الدفاع في غرب إفريقيا، بوصفها «قوة احتياطية» قوامها 5,000 عنصر لمواجهة التدهور الأمني المتفاقم في المنطقة. وعلى الرغم من أن تحالف دول الساحل أعلن في يناير استعداده لتفعيل القوة المشتركة المؤلفة من 5,000 جندي خلال الأسابيع اللاحقة، فإن الإعلان الرسمي جاء ليضعها موضع التنفيذ العملي.

تتكون القوة الموحدة من 5,000 فرد مكلفين بتنفيذ تدخلات مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية عبر الدول الأعضاء الثلاث. ويتولى قيادتها الجنرال داودا تراوري من بوركينا فاسو، مع مقر قيادة مركزي دائم في نيامي عاصمة النيجر. وتهدف هذه البنية القيادية المركزية إلى تسريع عملية اتخاذ القرار وتقليل الاحتكاكات التي غالبًا ما تصاحب العمليات العسكرية العابرة للحدود. ومن خلال إنشاء مقر قيادة دائم، يسعى التحالف إلى إظهار مستوى من الاستمرارية والعمق المؤسسي يميّزه عن الترتيبات الأمنية المؤقتة السابقة في المنطقة.

ويعتمد الإطار العسكري للقوة الموحدة على نهج متعدد المجالات. ووفقًا لما أعلنه وزير الدفاع الوطني النيجري، الجنرال سليفو مودي، فإن القوة تدمج بين القدرات الجوية والبرية والاستخباراتية. وتتيح هذه القدرات المرنة سرعة الانتشار في المناطق المتقلبة، مثل منطقة الحدود الثلاثية، حيث لا تزال جماعة تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS) وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) تنشطان. ويُعد إدراج أصول جوية مخصصة تحولًا تقنيًا بارزًا، إذ يوفر للقوات البرية إسنادًا جويًا قريبًا واستطلاعًا جويًا عضويًا، دون الاعتماد على شركاء خارجيين كانوا يهيمنون سابقًا على المجال الجوي في منطقة الساحل.

ويرتكز التخطيط الاستراتيجي لهذه العمليات، الذي أعده خبراء عسكريون من الدول الأعضاء الثلاث، على ثلاثة محاور رئيسية: تنسيق جهود مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأطر القانونية العابرة للحدود، وحماية السكان المدنيين. وأوضح الجنرال موسى سالاوا بارمو، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة النيجرية، أن المهام المقبلة ستسعى إلى تعظيم التأثير من خلال مناورات منسقة. ومن خلال مزامنة التقدم البري مع تدفقات استخباراتية مشتركة، يهدف تحالف دول الساحل إلى حرمان الجماعات المتمردة من استغلال الحدود الوطنية كملاذات آمنة. وتعكس هذه الفلسفة العملياتية تأكيدًا على الملكية المحلية للمشكلات الأمنية، والابتعاد عن النماذج التي قادها الغرب، والتي ميّزت كلاً من مجموعة G5 الساحل المنحلة وعملية برخان الفرنسية.

وبحسب المسؤولين، تستند هذه القوة إلى الزخم الذي حققته عمليات عسكرية مشتركة سابقة، ولا سيما عمليتي ييريكو I وII، اللتين أُفيد بتحقيقهما نجاحات ملموسة ضد الجماعات الإرهابية في المنطقة.

ويعتمد الاستدامة الفنية والمادية للقوة المؤلفة من 5,000 عنصر بشكل كبير على شراكة متنامية مع الاتحاد الروسي. ففي أبريل 2025، أتمت موسكو اتفاقيات لتزويد القوة الموحدة بأسلحة محددة ومعدات وآليات، إلى جانب تدريب عسكري متخصص. وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن خبراء روسًا سيساعدون في تسليح هذه الوحدات بمعدات مصممة خصيصًا للبيئة القاسية في منطقة الساحل. ويأتي هذا الدعم في أعقاب انتشار عناصر مرتبطة بالكرملين من مجموعة فاغنر – التي يُشار إليها الآن غالبًا تحت مسمى فيلق إفريقيا – والتي بدأت عملها في مالي عام 2021 قبل أن تمتد إلى بوركينا فاسو والنيجر.

ووصف وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، روسيا بأنها حليف دائم في مكافحة الإرهاب، في تعبير عن إعادة اصطفاف جيوسياسي أوسع في المنطقة. وقد انعكس هذا التحول على تجهيزات القوة، إذ باتت وحدات تحالف دول الساحل تستخدم بشكل متزايد معدات روسية الصنع، بما في ذلك مروحيات Mi-17 وMi-35 لأغراض النقل والهجوم، إلى جانب ناقلات جند مدرعة متنوعة. كما يوفر دمج أدوات جمع المعلومات الاستخباراتية الروسية وقدرات الحرب الإلكترونية أفضلية تقنية في مراقبة اتصالات الجماعات المسلحة، رغم أن الصيانة طويلة الأمد لهذه الأنظمة تمثل تحديًا لوجستيًا للتحالف الناشئ.

ويُعد تمويل القوة الموحدة تحديًا كبيرًا. فقد أشارت تقديرات أولية صادرة عن اجتماع رؤساء أركان الدفاع في غرب إفريقيا، الذي عُقد في أبوجا في يونيو 2024، إلى أن قوة إقليمية لمكافحة الإرهاب ستحتاج إلى نحو 2.6 مليار دولار سنويًا. وبالنسبة لدول تحالف الساحل، التي تعاني حاليًا من العزلة عن أسواق الإيكواس المالية وتخضع لعقوبات دولية متعددة، فإن تأمين هذا التمويل يتطلب تعبئة عالية للموارد الداخلية. ويعرض قادة التحالف هذه الكلفة بوصفها استثمارًا ضروريًا في السيادة الوطنية، معتبرين أن القوة الموحدة تمثل تجسيدًا عمليًا للإرادة السياسية في مواجهة التدخلات الخارجية.

ويؤكد تحالف دول الساحل أن عقوبات الإيكواس غير إنسانية وغير مجدية، وهو ما عزز قرارهم ببناء هيكل أمني مستقل. وفي حين كان المخطط الذي طُرح في أبوجا يهدف أيضًا إلى منع الانقلابات، فإن قادة التحالف يعطون الأولوية للحاجة التكتيكية العاجلة المتمثلة في السيطرة على الأراضي ومواجهة الجماعات الجهادية. وتعكس بنية القيادة والسيطرة الحالية في نيامي هذه الأولوية، حيث تركز على النتائج الميدانية أكثر من أطر الحوكمة الديمقراطية التي يفضلها المانحون الدوليون التقليديون.

وتدخل القوة الموحدة بيئة تتسم بتصاعد العنف. فبحلول أواخر عام 2025، لا يزال تدهور ظروف المعيشة في المناطق الريفية يوفر أرضًا خصبة لتجنيد المتمردين. وسيعتمد نجاح مبادرة تحالف دول الساحل على قدرة قواته البالغ عددها 5,000 جندي على تحقيق استقرار ملموس في مناطق فشلت فيها بعثات دولية أكبر حجمًا وأكثر تمويلًا في السابق. ومن خلال الجمع بين العتاد الروسي وقيادة موحدة تحت إمرة الجنرال تراوري، يراهن التحالف على أن التضامن الإقليمي وتبادل المعلومات الاستخباراتية التكتيكية سيكونان أكثر فاعلية من الاستراتيجيات الأمنية المجزأة التي سادت خلال العقد الماضي.

Star InactiveStar InactiveStar InactiveStar InactiveStar Inactive