فـي اللـغة ( الأمـن ضـد الخـوف) ويـقال أمـن الرجـل أي إطمأنـت نفـسه وسكن قلبه فهو آمن ، وأمن البلد أي عاش أهله في أمان ويقابل كلمة أمـن بالعربـية كلـمة (SATIRUCES) باللاتينـية.
ومعنـاها الثـقة وهـدوء النفـس نتيـجة الإحـساس بعـدم الخـوف مـن أي خطر أو ضرر وبالانجليزية (SECURITY) ويقصد بها الأمن هو الحريةمن الخوف ذلك يقول (QUINCY WRIGHT) SECURITY IS FREEDOM FROM FEAR فالاشتقاق اللغوي لكلمة أمن يشير إلى مفاهيم نلمح فيها معنى الطمأنينة والسكينة والسلام والراحة النفسية فمن الأمن الأمان والائتمان والإيمان وفى القران الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ما يدل على ترابط هذه المعاني قال تعالى: (فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا إيمان لمن لا أمانة له) فعكس الأمن الخوف أو الفزع وعكس الأمـان التهديـد والخيانـة وعكـس الائتـمان الحـذر وعكس الإيـمان الكـفر .فالخوف والفزع والتهديد والخيانة والحذر والكفر كلها معانٍ ينتفي بها الأمن وما اشتق منه وهناك صلة بين مفهوم التحريم فالحرمة هي مظهر الأمن البالغ وهو معناها الأول.
ومما تقدم يمكن القول أن الأمن هو خلق أجواء الطمأنينة والسكينة والهدوء النفسي والسلام وذلك بالتحرر من كل خوف أو فزع وإشباع كافة احتياجات الإنسان المادية والمعنوية وشعوره بارتياح عام لتحقيق أماله وطموحاته في سلامة كل مقوماته من كل خطر أو ضرر.
ومن التعريف يتضح أن خلق أجواء الطمأنينة تجعل الإنسان يستقر ويهنا بالحياة وينطلق ليبدع وينتج وتتحقق خلافة الله في أرضه فتتكون المجتمعات وتنمو الحضارات ويضطرد التقدم وتتاح الفرصة للتعاون والتآزر بين بني البشر لبلوغ سعادتهم وأمنهم.
فكل مساس بسلامة الفرد أو عرضه وشرفه أو ممتلكاته سواء اتصل منها بكيانه المادي أو المعنوي يشعره بالخوف أو الفزع بحلول الخطر والضرر بل إننا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا بأن أي خطر أو اختلال في الأمن من عدمه فحينما تنتشر الجرائم في مكان ما أياً كان نوعها وشدتها يشعر بالخوف والفزع ويبقى حذرا وجلا حتى يتم القبض على الجناة وتمر فترة زمنية قد تطول ليعود له هدؤوه واستقراره.
فالأمن لا يتحقق دون وجود مقومات أساسية خمسة وعوامل تدعم وجوده وتنمى مسبباته من أهمها:
1ـ الإحساس بالتماسك والتعاطف والانتماء لأفراد المجتمع الواحد.
2ـ التوافق على مبادئ سلوكية وأخلاقية ودينية واحدة( التربية المدنية).
3ـ الاستقرار السياسي وتوافر أجهزة قادرة على تحقيق الأمن والعدل بين أفراد المجتمع 4ـ ضرورة توافر الأمن الاجتماعي والاقتصادي والحياتي .
5ـ ضمان سلامة الأرواح والأعراض والممتلكات من أي خطر أو ضرر.
1ـ الإحساس بالتماسك والتعاطف والانتماء لإفراد المجتمع الواحد:
من أولى شروط المجتمع السليم أن تتوفر بين أفراده قدر عال من التماسك فيشعر كل منهم بانتمائه إلى وطنه ومجتمعه انتماء وثيقاً بحيث يؤلف وحدة عضوية حية تتفاعل معه فتحيا بحياته وتنمو وتتبلور مقوماته فالانتماء ركن اساسى للحياة الاجتماعية يستتبع حتما نوعا من التعاطف والتماسك بحيث يشعر الفرد بأن الوطن له وانه مسؤل عن سلامته وحياته وديمومته ومتى شعر الإنسان بهذه الرابطة النفسية بوطنه ومجتمعه ينمو لديه الإحساس الذي يكاد يكون غريزيا بأنه جزء من كل وبان له دورا في مجتمعه يتوجب عليه القيام به محافظة عليه وبالتالي على نفسه باعتباره جزء لا يتجزأ منه.
وبالتعاطف والتماسك تتكون رابطة إنسانية قوية تشكل سدا منيعا يحول دون إيذاء الأفراد لبعضهم بعضا لان شعور العاطفة والمحبة يولد استقامة دائمة فى التعامل ورغبة يتم الالتزام بها بعدم الإضرار بالغير خاصة ممن تربطه بهم عرى وثقي وبذلك يسعد الفرد والمجتمع في هذا الإطار ويتحرر من أي خوف أو فزع فتحلو الحياة وتزادان بمن فيها وينصرف الناس إلى معايشهم وإبداعهم فيطرد التقدم ويعم الرخاء.
2 ـ التوافق على مبادئ سلوكية وأخلاقية ودينية واحدة( التربية المدنية).
لكي يتحقق التماسك والتعاطف بين أفراد المجتمع لا بد من وجود أسس ومبادئ وقيم دينية وأخلاقية تتحكم في سلوك الأفراد والجماعات بما يضمن التناسب والتوافق والتقارب في المواقف والتطلعات.
فحين يتربى الإنسان تربية سليمة يستقى التقوى ومخافة الله منذ ولادته وتقوى لديه المسئولية الذاتية تجاه غيره فينشا محبا للنـاس وللخيـر أمـراً بالمعـروف وناهيا عن المنكر ، ومتى ما شب أفراد المجتمع على أساس سليم ومبادئ سامية يتوارثها الابناء عن الآباء والأجداد نتيجة انتقال عبر التراث ونتيجة للتعليم والاكتساب والممارسة اليومية المتطورة يتأقلم الإنسان معها تترسخ لديه وتصبح سلوكا معاشا والتزاما أساسيا لا ينحرف عنه ويصبح لديه سياج قوي ضد التفكك والانحلال والانحراف إلى هاوية الإجرام.
ومتى ما وجدت هذه القواعد الأخلاقية والدينية والسلوكية في إطار المجتمع فقد تأمنت أحدى المقومات الأساسية والضرورية لتحقيق الأمن والطمأنينة والاستقرار.
3 ـ الاستقرار السياسي وتوافر أجهزة قادرة على تحقيق الأمن والعدل بين أفراد المجتمع .
من المقومات الأساسية أيضا لتحقيق الأمن توفر الاستقرار السياسي في المجتمع عبر حكم عادل وواع يراعى شؤون المواطنين ويعمل على توفير أسباب الطمأنينة والاستقرار لحفظ المجتمع من الاهتزاز المستمر الذي يزعزع الحياة الاجتماعية والأسس التي تقوم عليها فتعم الفوضى ويسود عدم الاستقرار وهذا ما يباعد بين الناس فيشعرون بالخوف على حاضرهم ومستقبلهم.
والاستقرار السياسي يتطلب تدابير أساسية تقوم على مبادئ دستورية تضمن تمتع المواطنين بحقوقهم الأساسية وممارستهم لها في ظل أنظمة وقوانين ومؤسسات متخصصة قادرة وقوية تضطلع بدورها الهام في تامين المجتمع تتمثل في:
"جهاز أمنى قوى وفعال مستعد للتدخل دوما لصيانة الأمن بوجه عام ولتامين الوطن وحفظ كيانه وعلى وجه الخصوص حماية الأفراد من المجرمين والمنحرفين الجانحين بما يخلق لديهم إحساس بالثقة في المجتمع والقائمين عليه فالثقة في الأجهزة الأمنية عامل ايجابي يطمئن الآمنين وعامل ردعي يلجم المعتدين ويوقفهم عند حدهم ويجعلهم يحسبون الف حساب قبل اى تفكير اجرامى قد يخطر ببالهم ويجزمون قطعا بضبطهم ومعاقبتهم في حالة اقترافه أو الشروع فيه.
"جهاز قضائي عادل وحاسم يضمن حقوق الجميع ينصف الضعيف من القوى فيفصل في الأحكام بسرعة وحسم لقطع المفاسد وردع المعتدين ولجم المخالفين حتى يكونوا عبرة لغيرهم وتسانده في ذلك مؤسسات تربوية رسمية وجمعيات خيرية أهلية ومؤسسات عقابية متنوعة فيها المحكومين كل حسب فعلته والحكم الذي صدر بحقه مع ضمان دراسة وضعيته وتقديم مسلكه وتعليمه صناعة يسترزق منها عقب انتهاء عقوبته.
"تخطيط متكامل وسياسة جنائية سليمة وتعاون وثيق بين كافة هذه المؤسسات والجمعيات العدلية والتربوية والأخلاقية والأمنية لتوفيرمقومات الأمن والأمان للفرد والجماعة دون شطط أو انحياز لجهاز دون أخر بما يضمن التوافق والانسجام التام بينما في إطار المجتمع ككل للحد من عوامل الإجرام وخفض معدلات الجريمة والرقى بالأخلاق والقيم وصيانة مكتسبات الأمة من كل خطر أو ضرر.
4ـ ضرورة توافر الأمن الاجتماعي والاقتصادي والحياتي .
لا يكفى أن تتوفر نوع من التماسك والتعاطف داخل المجتمع وان يتواجد استقرار سياسي ومؤسسات لضمان توافر الأمن والعدالة ورعاية المنحرفين والمسجونين وإعادتهم إلى المجتمع وهم أكثر انسجاما وتكيفا مع أوضاعه الاجتماعية بل لابد من توفر امن اجتماعي واقتصادي يضمن لكل فرد في المجتمع مستوى معيشياً معيناًيتحقق بتوافر فرص العمل والإنتاج وعائد مجزٍ ليؤمن اقتناء حاجيات الإنسان الضرورية من مأكل وملبس ومسكن مناسب يضاف إليها توافر خدمات تعليمية وصحية واجتماعية وإنسانية تجعله في مأمن من الفقر والجهل والمرض.
فالإنسان بحاجة للاطمئنان على حاضره ومستقبله المعيشي والاقتصادي والاجتماعي حتى يزول من فكره وقلبه الخوف على يومه وغده ويسود عوضا عنها ثقة كاملة في إمكانياته الذاتية القادرة على البذل والعطاء وفى مقدرات مجتمعه ووطنه التي لا تنضب.
5ـ ضمان سلامة الأرواح والأعراض والممتلكات من خطر أو ضرر.
إن جوهر الأمن هو التحرر من الخوف من اى خطر أو ضرر قد يلحق بالإنسان في نفسه أو عرضه أو ممتلكاته ويكون في مقدوره التنقل بكل حرية داخل وطنه دون خوف أو وجل من اى اعتداء آثم أو سطو أو قتل أو إيذاء وان يكون بإمكانه أن يفكر ويدلى برأيه دون تسلط أو إرهاب من الآخرين وان يتمتع بكافة حقوقه المدنية والسياسية والفكرية دون عائق.
فالإنسان لا يكفيه أن يتوافر على هذه المقومات لنفسه دون أن تكون كمفهوم عام لأمن المجتمع ككل فان حصل وان اخترقت هذه الحقوق وتم التعدي عليها حيال غيره اليوم فسينتقل إليه هذا ولذلك فان برامج الوقاية من الجريمة والتصدي لها في إطار تخطيط شامل ومتكامل وسياسة جنائية علمية وموضوعية وعقوبات رادعة تمثل حتما ضمانا كافيا لتامين الوطن والمواطن على السواء.
ونخلص مما تقدم بان كل سياسة ترمى إلى المحافظة على المجتمع من الانحراف والإجرام وتحقيق الأمن لا يمكن أن تنجح إذا لم تكن مدعومة ببنية اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وتربوية تشكل الإطار الصحيح لنمو الإنسان في مجتمعه بصورة سليمة ويستحيل معالجة نتائج التسيب الاجتماعي دون توافر الشروط الحياتية الأساسية السليمة ولذا نرى أن كل الجهود التي تبدل للتصدي للجريمة والانحراف تمنى بالفشل طالما أنها لم تتصدَّ إلى البنية الاجتماعية بغية دعمها أو إعادة تكوينها أو إدخال الإصلاحات الضرورية عليها وتوفير الخدمات الأساسية ضمنها. فتحقق الأمن يفترض تحديا مزدوجا للبنية الاجتماعية ككل ولظاهرة الإجرام والانحراف كجوانب سلبية في هذه البنية فتحصل المعالجة على الصعيدين معا الصعيد العام والصعيد الخاص لهذه المعطيات.